- الصفحة الرئيسية
- دوليّ
- الصراعات المسلحة
من غزّة إلى مونتريال: ’’في ذهني، ما يحدث غير واقعي‘‘

فلسطينيون مزدوجو الجنسية ينتظرون الخروج من قطاع غزة عند معبر رفح على الحدود مع مصر في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023.
الصورة: Getty Images / AFP/MOHAMMED ABED
وصلت الكندية الفلسطينية بيسان عيد (31 عاماً) مساء الثلاثاء إلى مونتريال مع أطفالها الأربعة، وكبيرهم في سنّ السادسة، بعد أن عاشوا جميعاً ’’رعب‘‘ القصف الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني حيث لا يزال زوجها.
’’الحمد لله، وصلت بأمان وسلام مع أطفالي الأربعة إلى كندا‘‘. بصوت مكسور بعض الشيء، تحاول بيسان عيد أن تتذكر الأيام الـ38 الأخيرة التي أمضتها في قطاع غزة، فريسةً للحرب المستمرة دون هوادة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية منذ الهجوم الدامي الذي نفذته هذه الأخيرة في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وتواصل راديو كندا مع بيسان عيد عبر الهاتف في منزل والديْها في مدينة لونغوي، إلى الجنوب من جزيرة مونتريال. هي طريحة الفراش منذ وصولها إلى كندا، منهكة الجسد بسبب الحمى وأكثر من شهر من القلق.
وهذه الأم الشابة حاصلة على شهادة ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة كونكورديا في مونتريال. وتبلغ أعمار أطفالها الأربعة 6 سنوات و4 سنوات وسنتيْن و7 أشهر، على التوالي. وهي كانت معهم ومع زوجها في مدينة خان يونس جنوبيّ قطاع غزة عندما اندلعت الحرب.

أشخاص يغادرون قطاع غزة عن طريق معبر رفح على متن حافلة.
الصورة: Getty Images / Ali Moustafa
وفي 13 تشرين الأول (أكتوبر) أمر الجيش الإسرائيلي سكان شمال قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 1,1 مليون نسمة بالانتقال إلى جنوب القطاع تمهيداً لبدء هجومه البري.
لكن لم يسلم الجزء الجنوبي من القطاع الفلسطيني المحاصر من القصف الإسرائيلي. وتقول بيسان عيد إنّ منزلها هناك أصيب بهذا القصف و’’تضرّر جزئياً‘‘.
’’كانت الحرب قد بدأت قبل ستة أيام، وكانت الساعة الثانية فجراً وكنا جميعاً نائمين في غرفة الجلوس معتبرين أنها الغرفة الأكثر أماناً في المنزل. لحسن الحظ أننا لم نكن في غرف النوم. وقعت بعض الإصابات، لكنها ليست خطيرة‘‘، تروي بيسان عيد.
وخوفاً منها على حياتها وحياة أطفالها، لجأت بيسان عيد عقب ذلك إلى أقارب لها وسط قطاع غزة ’’بانتظار فتح معبر رفح‘‘ الذي يخرج منه الرعايا الأجانب إلى مصر.
وظلت هناك مع أطفالها مدة أسبوع والخوف يتملكها. ’’اعتقدتُ أنّ الوضع في وسط القطاع أكثر أماناً، لكنه كان مروعاً حقاً. كان هناك قصف كل ليلة. كان عشوائياً للغاية‘‘، تتذكر بيسان عيد.
وبعد أن سمعت عن احتمال إجلاء مواطنين كنديين، قررت العودة إلى جنوب القطاع، عند أقارب آخرين.
’’كنت خائفة من تفويت فرصة الخروج لأنّ الرحلة من وسط قطاع غزة إلى معبر رفح طويلة ومن الصعب العثور على سيارة قادرة على إيصالنا إلى هناك‘‘، تشرح بيسان عيد.
لا يوجد وقود، هناك عدد قليل من السيارات تعمل بزيت الطهي. يجب إيجاد حلول بديلة، وإلّا يصبح التنقّل أمراً صعباً جداً.

موظف فلسطيني عند معبر رفح يتفحص وثائق سفر مواطنين أجانب سُمح لهم بالخروج من قطاع غزة.
الصورة: Associated Press / Hatem Ali
وبعد وصولها إلى رفح مع أطفالها، انتظرت بيسان عيد يوماً كاملاً، لكن دون جدوى. ظلّ المعبر مغلقاً ذاك اليوم. ’’كنت محظوظة، لأنه بعد ساعة من مغادرتي هناك، تم قصف الحدود‘‘، تقول الكندية الفلسطينية.
وقامت بيسان عيد بالرحلة من خان يونس إلى رفح عدة مرات على أمل أن يتم إجلاؤها مع أطفالها إلى مصر في كلّ مرة. وفي النهاية تمكنت من عبور الحدود معهم يوم الأحد.
لديّ انطباع في ذهني بأنّ كلّ ما يحدث في غزة غير واقعي بسبب الرعب الذي رأيناه وسمعناه.
ويخضع قطاع غزة لحصار بري وجوي وبحري إسرائيلي منذ أكثر من 15 عاماً، وهو تحت ’’حصار كامل‘‘ منذ 9 تشرين الأول (أكتوبر)، وقطعت عنه إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء والغذاء.
’’لم يعد هناك مياه صالحة للشرب في غزة، وأصبحت الأغذية أقلّ توافراً. تمكّن أطفالي من شرب الماء النظيف عند وصولهم إلى مصر‘‘، تروي بيسان عيد، ’’كانوا سعداء للغاية لدرجة أنهم قالوا لي ’يا أمّاه، كم هو الماء لذيذ هنا!‘‘‘.
’’إنها كارثة إنسانية حقيقية‘‘، تضيف الأم الشابة عن الوضع في غزة.

نساء وأطفال فلسطينيون يحاولون الحصول على بعض الطعام في مدينة رفح جنوبيّ قطاع غزة في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023.
الصورة: Associated Press / Hatem Ali
أمّا زوج بيسان عيد ووالد أطفالها فلا يزال في قطاع غزة. ولأنه ليس مواطناً كندياً وغير حاصل على الإقامة الدائمة في كندا، فضّل البقاء حيث هو كي لا يؤخّر خروج زوجته وأطفالهما من القطاع الفلسطيني المحاصر.
’’بالنسبة له كانت الأولوية أن أخرج مع الأطفال في أسرع وقت ممكن‘‘، تقول بيسان عيد عن زوجها، ’’لكن مع انقطاع الاتصالات عبر الإنترنت، لا نعرف عن أخباره. أنا قلقة للغاية على جميع أفراد عائلتي الذين لا يزالون هناك‘‘.
هادي عيد، والد بيسان، يعرف عمّا تتحدث عنه ابنته. فهو أمضى الشهر الأخير على الهاتف في منزله في لونغوي، فكان حلقة الوصل بين ابنته وموظفي وزارة الشؤون العالمية في أوتاوا الذين ينظمون عمليات الإجلاء.

أطفال يبحثون عن أشياء بين المباني التي دمرتها الغارات الجوية الإسرائيلية في خان يونس جنوبي قطاع غزة في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023.
الصورة: (Ahmad Hasaballah/Getty Images)
وعند وصول بيسان وأطفالها إلى مصر، اشترى هادي عيد ’’على الفور‘‘ تذاكر طيران لهم لكي يعودوا إلى مونتريال.
’’أخبرني الموظفون الكنديون (في وزارة الشؤون العالمية) أنهم لا يستطيعون توفير تذاكر الطيران لابنتي وأطفالها، فقلت لهم: ’أنا لا أطلب منكم القيام بذلك، أريد فقط أن تخرج ابنتي من هناك‘.‘‘
ويقيم هادي عيد في كندا منذ أكثر من 20 عاماً، ولا يزال لديه العديد من الأشقاء والشقيقات في قطاع غزة. ويقول إنه ’’سعيد‘‘ برؤية بيسان وأطفالها في منزله في كندا، ’’لكن، في الوقت نفسه، نفكر باستمرار بعائلاتنا التي بقيت هناك‘‘.
’’عائلتنا هي كلّ الشعب الفلسطيني‘‘، يؤكّد هادي عيد.
(نقلاً عن تقرير لرانيا مسعود على موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)