- الصفحة الرئيسية
- سياسة
- السياسة الفيدرالية
[تقرير] هل يجب الحفاظ على الروابط الحالية بين كندا والتاج البريطاني؟

إليزابيث الثانية، عاهلة المملكة المتحدة وملكةُ كندا ورئيسة منظمة الكومنولث، ملقية خطاباً بمناسبة يوم الكومنولث (أرشيف).
الصورة: Getty Images / WPA Pool
صادف يوم أمس ’’يوم الملكة فيكتوريا‘‘ (Victoria Day) المعروف بالفرنسية بـ’’عيد الملكة‘‘ (fête de la Reine) وهو يوم عطلة رسمية في كندا على المستوى الفدرالي تكريماً للملكة فيكتوريا (نافذة جديدة)، عاهلة المملكة المتحدة منذ عام 1837 ولغاية عام 1901.
ويتمّ إحياء هذا العيد في كندا منذ عام 1845، أي منذ ما قبل قيام الفدرالية الكندية بـ22 عاماً.
لكن في كيبيك، المقاطعة الكندية الوحيدة ذات الغالبية الناطقة بالفرنسية، يحمل اليوم نفسه اسم ’’اليوم الوطني للوطنيين‘‘ (Journée nationale des patriotes) تكريماً للانتفاضة الشعبية ضدّ التاج البريطاني عاميْ 1837 و1838.
يُشار إلى أنّ نظام الحكم في كندا ملكي دستوري، ورئيس الدولة فيها هو عاهل المملكة المتحدة، الذي هو أيضاً ملك كندا، أي الملكة إليزابيث الثانية منذ عام 1952.
ويمثّل الملكة في كندا حاكمٌ عام تختاره هي بناءً على توصية من رئيس الحكومة الكندية، ومهامه بشكلٍ رئيسي فخرية.
ومنذ مطلع السنة الحالية طُرحت مجدداً مسألة الروابط مع الملكية على بساط النقاش العام في كندا في ثلاث مناسبات رئيسية على الأقل: عند استقالة حاكمة كندا العامة جولي باييت في كانون الثاني (يناير) على خلفية مناخ العمل غير السليم في مقرّها، وعقب المقابلة التي أجرتها الإعلامية الأميركية أوبرا ونفري في آذار (مارس) مع الأمير هاري، حفيد الملكة إليزابيث الثانية، وزوجته ميغان ماركل التي اتهمت أعضاء من الأسرة المالكة بالعنصرية، وعقب وفاة زوج الملكة الأمير فيليب في 9 نيسان (أبريل).

حاكمة كندا العامة جولي باييت تقرأ خطاب العرش في مجلس الشيوخ في أوتاوا في 23 أيلول (سبتمبر) 2020.
الصورة: La Presse canadienne / Adrian Wyld
وإذا كانت غالبية واسعة من سكان كيبيك تريد قطع الروابط مع الملكية، ففي المقاطعات الكندية التسع الأُخرى لم يعد التمسّك بهذه الروابط قوياً كما كان في السابق، لا بل أنّ استطلاعات أُجريت في الأشهر الأخيرة أظهرت تراجعاً كبيراً في التمسّك بها.
فعلى سبيل المثال أظهر استطلاع أجرته مؤسسة ’’ليجيه‘‘ أوائل شباط (فبراير) الفائت في أعقاب استقالة حاكمة كندا العامة جولي باييت أنّ المطالبين بإلغاء النظام الملكي باتوا في المقاطعات التسع ذات الغالبية الناطقة بالإنكليزية أكثر من المتمسكين به.
وفي آذار (مارس)، في أعقاب المقابلة مع الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل، أفاد استطلاع آخر لـ’’ليجيه‘‘ أنّ 53% من الكنديين رأوا أنّ الملكية البريطانية لم يعد لها مكان في كندا القرن الحادي والعشرين (نافذة جديدة) فيما قال ثلث المستطلعين إنهم مع الحفاظ على هذا الجزء من تراث كندا.

الملكة إليزابيث الثانية مستقبلةً زعماء دول الكومنولث في عشاء على شرفهم في قصر باكنغهام الملكي في لندن في نيسان (أبريل) 2018 ونراها في هذه الصورة مرحبة برئيس الحكومة الكندية جوستان ترودو.
الصورة: Reuters
حاورتُ في هذا التقرير اثنيْن من الكنديين العرب حول روابط كندا مع التاج البريطاني: هل يجب الحفاظ عليها أم تعديلها أم قطعها نهائياً؟
الشخص الأول هو الكندي السوري الأصل الدكتور محمّد محمود المقيم في مونتريال التي وصلها مهاجراً مع عائلته قبل ثلاثة عقود، وهو ناشط سياسي واجتماعي، من ضمن أنشطته توفير الدعم للقادمين الجدد لاسيما لطالبي اللجوء. واتصلتُ به هاتفياً في منزله حيث يتعافى من وعكة صحية ألمّت به.
يذكّر محمد محمود بداية بأنّ التاج البريطاني دخل أميركا الشمالية مستعمراً أسوةً بدول أوروبية أُخرى. فالقارة العجوز كانت تبحث عن مصادر جديدة للثروات وأماكن للاستعمار والاستيطان ووجدت في القارة الأميركية أرضاً خصبة لطموحاتها ومطامعها، على حدّ قوله.
أنا من الناس الذين يقولون إنه يجب قطع كلّ ما يمكن قطعه مع ذلك التاريخ الاستعماري البغيض
ويضيف محمود أنه عندما وصل إلى كندا مهاجراً لم يكن يعلم بوجود الروابط الملكية بين موطنه الجديد والمملكة المتحدة، إذ كان ينظر إلى كندا على أنها ’’بلد مستقل‘‘ ولم يخطر بباله أنّ عاهلة المملكة المتحدة هي رأس الدولة فيها وأنّه ستعيّن عليه عندما يأتي دوره لأداء قسم الجنسية أن يقسم يمين الولاء للملكة إليزابيث الثانية ولورثتها وخلفائها، في تقليد ’’يمتّ إلى القرن التاسع عشر أو الثامن عشر‘‘ وأبعد ما يكون عن زمننا الحالي.

الناشط الكندي السوري محمد محمود يزاول رياضة كرة القدم في متنزه جورج سان بيار في مونتريال (أرشيف).
الصورة: Facebook
ويرى محمّد محمود أنّ على كندا أن تقطع بكل بساطة وبشكل سلمي روابطها مع التاج البريطاني، مشيراً إلى أنّ جارة كندا، الولايات المتحدة الأميركية الناطقة بالإنكليزية، فعلت ذلك قبل قرنين ونصف من الزمن تقريباً في زمن تطلّب فيه الأمر حمل السلاح.
لكن في حال تمّ قطع الروابط مع التاج البريطاني بمن يُستبدَل الحاكم العام في كندا؟ أبرئيس ذي منصب فخري أيضاً كما هي الحال في ألمانيا أو إيطاليا مثلاً؟
’’أريد أن تتخلّى كندا عن التبعية للتاج البريطاني، لا أفهم ما الذي يجعلها تابعة له‘‘، يجيب محمود.
أريد لكندا أن تكون دولة مستقلة، أن تكون جمهورية مستقلة. ليست المشكلة في ما إذا كان سيحكمها رئيس فخري أوما إذا كانت ستعتمد نظاماً جمهورياً، المهمّ إنهاء هذه التبعية للتاج البريطاني التي ليس لها أيّ معنى سياسي سوى هذه العلاقة بالأسرة الحاكمة (في المملكة المتحدة)
ويشير محمّد محمود إلى أنّ قطع العلاقة مع التاج البريطاني لن يمسّ بالعلاقات المميزة في مختلف المجالات بين كندا والمملكة المتحدة.
وإذا كانت دول أُخرى، من بينها جزر صغيرة في المحيطات، لم تعد تعترف بالعاهل البريطاني رئيساً لها إذ قطعت الروابط مع التاج لكنها حافظت على العلاقات المميزة مع المملكة المتحدة في مجالات مختلفة، وهي أعضاء أيضاً في منظمة الكومنولث، فكندا قادرة دون شك على القيام بالمثل.

الملكة إليزابيث الثانية توقّع على الدستور الكندي في أوتاوا في 17 نيسان (أبريل) 1982 بحضور رئيس الحكومة الكندية بيار إليوت ترودو (والد رئيس الحكومة الحالي جوستان ترودو). وبموجب هذا التوقيع باتت كندا دولة سيدة بشكل كامل قادرة على تعديل دستورها بنفسها.
الصورة: La Presse canadienne / Ron Poling
لكن أليست هذه العلاقة مع التاج البريطاني من الأمور التي تميّزنا عن جارتنا العملاقة، الولايات المتحدة؟ وإذا قطعت كندا هذه العلاقة ألا يُخشى عليها من الذوبان في الولايات المتحدة؟
’’قناعتي الشخصية أنّ كندا طوّرت بعد قرن ونصف من الاستقلالية شخصية خاصة بها، هي ليست تابعة فعلياً لبريطانيا ولن تكون تابعة أيضاً نظرياً أو فعلياً للولايات المتحدة الأميركية‘‘، يجيب محمّد محمود.
ويشرح محمود بالقول إنّ كندا بعيدة تماماً عن أيّ ماضٍ استعماري للمملكة المتحدة وعن أيّ تدخّل ’’إمبريالي‘‘، بمعنى التوسّع والسيطرة، للولايات المتحدة حول العالم.
’’كندا لها شخصية مستقلة، طوّرت سياستها الخارجية على مبدأ حفظ السلام، على مبدأ العلاقات والتفاهم بين البشر، على مبدأ تعدد الثقافات على أرضها بين سكانها ومواطنيها‘‘، يخلص محمّد محمود، وبالتالي يمكن لكندا أن تكون مثلاً من دول الكومنولث، المنظمة التي تربطها علاقات مميزة بالمملكة المتحدة، لكن دون العلاقة الحالية مع التاج البريطاني.

الكندي اللبناني إيلي كمال.
الصورة: Photo prise par Fadi Harouny
الشخص الثاني الذي حاورته هو الكندي اللبناني إيلي كمال من سكان مونتريال، والتقيته في لافال إلى الشمال مباشرةً من جزيرة مونتريال، وهي المدينة التي أقام فيها قبل الانتقال مؤخراً إلى مونتريال. وكمال في الأساس مهندس لكنه تخصص في مجال التخطيط المالي في كندا التي هاجر إليها، هو الآخر، قبل ثلاثة عقود، ويعمل في هذا المجال.
يستهل إيلي كمال كلامه بلفت الانتباه إلى رمزية إحياء مقاطعة كيبيك في يوم الملكة فيكتوريا ’’اليومَ الوطني للوطنيين‘‘ الذين انتفضوا على الاستعمار البريطاني قبل 184 عاماً.
وكمال ليس من المتحمّسين للروابط بين كندا والتاج البريطاني، لكنه مع الحفاظ على الـ’’ستاتيكو‘‘، أي الوضع الراهن.
’’أنا بطبعي أحبّ أن يتطوّر كلّ نظام وكلّ مؤسسة نحو الأفضل‘‘، يؤكد كمال مشيراً إلى أنّ حياة الإنسان واحتياجاته في تغيّر دائم وأنه يريد لكندا ’’بجميع مواطنيها أن تعيش حياة سلام وازدهار‘‘.
لكن نظراً لأننا نعيش منذ آذار (مارس) 2020 فترة استثنائية بسبب جائحة كوفيد-19 العالمية التي لم يكن أحد يتوقعها، جائحة هزّت العالم بأسره وجعلت الحياة فيه تتغير، وبما أننا لا نعلم بعد متى تنتهي هذه الجائحة ونعود للحياة الطبيعية، علينا وضع أولويات
وبالتالي يضيف كمال رداً على سؤال عمّا إذا كان مع قطع الروابط مع النظام الملكي أنه ’’نعم مع قطعها ولكن ليس في السنوات المقبلة لأننا، لسوء الحظ، قد نحتاج لفترة طويلة يصعب الآن تحديدها قبل العودة إلى حياة طبيعية‘‘ كتلك التي كانت سائدة قبل وصول الجائحة ’’وحياة المواطن الكندي لن تتغيّر إذا ما استبدُل الحاكم العام برئيس ذي مهام فخرية‘‘.

علم كندا يرفرف على قبة برج السلام وهو جزء من مبنى البرلمان الكندي في العاصمة الفدرالية أوتاوا.
الصورة: CBC/Radio-Canada
لذا من المهم الآن الحفاظ على الـ’’ستاتيكو‘‘، أي إبقاء النظام الملكي الدستوري في كندا على حاله. فتغيير النظام يعني تعديل الدستور، يشير إيلي كمال، وهذا ليس بالأمر السهل في بلد مثل كندا.
وإذا ما فُتح الباب أمام تعديل الدستور ستقدّم كلّ مقاطعة مطالبها وتدخل كندا في نقاشات دستورية هي الآن بغنىً عنها، حسب قوله.
ويكفي النظر إلى الخلافات الحالية بين الحكومة الفدرالية وحكومات المقاطعات في ملفات عدة كيْ نكوّن فكرة عمّا ينتظرنا إذا ما فُتح الآن باب التعديلات الدستورية، يلفت كمال.
لذا يؤكّد إيلي كمال أنه مع الإبقاء على النظام الملكي الدستوري الحالي ’’حتى إشعار آخر‘‘، وليقرّر عندئذ الكنديون من خلال استفتاء عام ما إذا كانوا يريدون الإبقاء على هذا النظام أو تعديله أو إلغاءَه.
(تقرير من إعداد فادي الهاروني)